كان اللورد اللنبي مندوباً سامياً لبريطانيا في مصر سنة ١٩٢١، أي في الوقت الذي كانت الروح القومية المصرية تغلي غلياناً حاراً، كان الساسة الإنجليز يحاولون بكل ما أتوا من دهاء سياسي أن يستميلوا إليهم من زعماء المصريين وأصحاب النفوذ والسلطان فيهم كل من يستطيعون استمالته، فكان أن انتهز ذلك اللورد الداهية فرصة ليلة القدر في ذلك العام، فدعا إلي داره كبار علماء الأزهر الشريف وعلي رأسهم فضيلة شيخه ليتناولوا الشاي علي مائدته في تلك الليلة المباركة.
وقيل يومئذ إن المندوب السامي إنما دعا العلماء في ليلة القدر تشبهاً بالقصر الذي تقضي تقاليده بدعوتهم لتناول الإفطار مرة في رمضان كل عام.
ولكن مباحثنا التي قمنا بها في هذا الموضوع تؤيد النظرية التي تقول إن دعوة العلماء إلي مائدة المندوب السامي في ليلة القدر، إنما كانت لاكتساب مودتهم وتأييدهم باعتبارهم هيئة صاحبة نفوذ كبير، ومكانة ومهابة عظيمتين عند عامة الشعب المصري وخاصته وقد ظلت دعوة العلماء إلي دار المندوب السامي في ليلة القدر من كل عام سارية من يوم ابتكرها اللورد اللنبي إلي العام الماضي، حيث كان السير برس لورين قد بارح مصر، ولم يكن السير مايلز لامبسون موجوداً هنا في شهر رمضان الماضي، فألغيت تلك العادة بعد أن اطمأن الإنجليز إلي أن العلماء قد أصبحوا اليوم أقل نفوذاً وسلطاناً مما كانوا يوم دعوا لأول مرة.